المسجد النبوي الشريف بُني في موقع باركه النبي صلى الله عليه وسلم عندما وصل إلى المدينة مهاجرًا. تم اختيار الموقع بجوار بيت أبي أيوب الأنصاري ليكون أول مسجد يُبنى في المدينة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عند اختيار الموقع: “دعوه فإنه مأمور” (رواه البخاري)، إشارةً إلى ناقته التي بركت في الموقع. أصبح المسجد مركزًا للدعوة والتجمع للمسلمين في بداية العهد الإسلامي.
شهد المسجد توسعات متعددة على مر العصور. في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، تم توسعة المسجد لاستيعاب عدد أكبر من المصلين بعد زيادة أعداد المسلمين، حيث ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه: “ما زال النبي يزيد فيه حتى صار كما هو اليوم” (رواه مسلم). ثم في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أُجريت توسعة كبيرة شملت زيادة المساحة من الجهة الشمالية، وقال عمر رضي الله عنه: “أوسعوا المسجد” (رواه ابن سعد). تلاها توسعة عثمان بن عفان رضي الله عنه التي أضافت جمالية وبنية جديدة للمسجد، حيث استخدم الحجر المنقوش والزخارف في البناء.
في العهد الأموي، قام مروان بن الحكم بتوسعة المسجد، حيث أُضيفت أعمدة ومحراب وتزيينات بالحجر، مما زاد من جمال المسجد وأهميته. كانت هذه التوسعة ضرورية لتلبية احتياجات عدد المصلين المتزايد آنذاك. وأشار المؤرخون إلى أن هذه التوسعة كانت الأكبر في ذلك الوقت، وقد ساهمت في تحسين البنية العامة للمسجد.
في العهد العثماني، شهد المسجد إضافات كبيرة، أبرزها ما قام به السلطان سليمان القانوني الذي أنشأ مآذن جديدة وأروقة رائعة، مما أضفى طابعًا معماريًا مميزًا على المسجد. ورد أن السلطان قال عند تنفيذ هذه الإضافات: “ليكن المسجد النبوي مصدر فخر للإسلام والمسلمين” (نقلها المؤرخون العثمانيون).
آخر التوسعات في العهد العثماني تمت على يد السلطان عبد المجيد، حيث تم تجديد المسجد بالكامل باستخدام مواد حديثة، مع التركيز على الزخرفة والزينة. هذه التوسعات جعلت المسجد النبوي واحدًا من أبرز معالم العمارة الإسلامية وأهم مواقع العبادة في العالم الإسلامي، ويُذكر أن السلطان عبد المجيد أمر بأن تُستخدم أفضل المواد والتقنيات لضمان استمرارية المسجد لأجيال قادمة.